خطة اسقاط مرسي
الأربعاء 18 يوليو - 05:17مساء
مقالات حسن الشيخ من جريدة الخميس
عندما يتحدث أي أحد الآن في أي وسيلة إعلامية ويريد ان يقول كلمة تصب في خانة الرئيس محمد مرسي او حتي جماعة الإخوان لابد في البداية ان يقدم عدد من الأدلة المقنعة جدا بأنه ليس إخوانياً ولا حتي انتخب مرسي في جولة الاعادة ويقسم علي انه ابطل صوته او كان منحه لشفيق.. وكل ذلك من اجل ان يصدقه القراء او المستمعين او المشاهدين.. ويقسم بالله انه يفعل ذلك من اجل مصر وايمانه بقواعد الديمقراطية وحرية تداول السلطة.. وأهمية أن يعترف كل مواطن بأن الرئيس الذي جاء بالانتخاب حتي وان لم ينتخبه فهو رئيس مصر ورمز الدولة وعلينا توفيره واعطائه الوقت والفرصة لاثبات ذاته وتحقيق انجازاته دون اشهار السيوف ووضع الكتل الخرسانية في طريقه..
هذه مقدمة ثابتة نسمعها يوميا.. وللاسف سوف اجعل القارئ يسمعها مرة اخري الآن لاني كتبتها من نفس المنطلق.. ولأنني لست إخوانياً ولا انتخبت الدكتور محمد مرسي ولا منافسه.. ولكني مؤمن بأهمية اتاحة الفرصة لرئيس الجمهورية الذي وصل الي منصبه باختيار الشعب المصري واصبح رئيسا لمصر ورمزا لها وعلينا ان نعطيه حقه في الوقت ليعمل وينفذ مشاريعه وخططه وتوجهاته.. وعلينا المراقبة ثم المحاسبة.. اعتقد ان هذا يفترض ان يكون توجه الجميع بمن فيهم الذين رفضوا انتخاب الرئيس مرسي.. لان الرجل اصبح هو المسئول الاول عن تحقيق طموحات الناس والمضي بمصر نحو عصر جديد من الديمقراطية التي حرمنا منها طويلا.. وبالتالي تحقيق رفاهية الشعب الغلبان..
وهو ما حدث بالفعل عندما اعلن الدكتور مرسي انه يعتزم تحقيق برنامجه الانتخابي كما وعد.. وخاصة خطته في الـ 100 يوم الاولي التي تشمل القضاء علي أزمات البنزين والسولار ومشكلة رغيف العيش والقمامة والامن والمرور.. خمس اهداف وضعها امام عينه كهدف استراتيجي له وتحدي لمنافسيه بأنه قادر علي قيادة مصر والتغلب علي مشاكلها وأزماتها المزمنة.
مر اكثر من 15 يوما منذ توليه مرسي الحكم وبداية تنفيذ الوعود ومنذ اليوم الاول وهناك من يقول انه لم يفعل شيئا وانه فشل.. وانه.. وانه.. وهؤلاء ليسوا مستعدين لمنحه اي فرصة لالتقاط الانفاس او الالتفات للعمل ولكنهم يريدون ان يستمر هو في مراقبتهم والرد علي اتهاماتهم ويتفرغ للصراعات ويترك الازمات تتفاقم.. وبالتالي يثبتوا فشله واسقاطه لا لشئ الا لانهم يفرضونه سواء من منطق الاختلاف الايديولوجي او لمنطق المصلحة الخاصة..
والغريب ان الايام القليلة الماضية من حكم مرسي شهدت ظواهر مختلفة تؤكد ان الحكاية ليست مجرد رفض افراد لوجود الرئيس نتيجة انهم كانوا يؤيدون مرشحين اخرين ولكن الاحداث اكدت ان هناك جهات بكل رجالها وامكانياتها تحاول بكل طريقة افشال الرئيس وسقوطه ليس فقط خلال مدة حكمه في اربع سنوات ولكن يريدون سقوطه خلال 100 يوم فقط وهي نفس الفترة التي حددها ليقدم نفسه للشعب من خلال التغلب علي عدد من المشاكل اليومية التي يؤرقه..
ففي البداية ظهرت حكاية جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قتلت شابا في السويس لمجرد انه كان يقف مع خطيبته.. ثم اصدرت بيانا تعترف فيه بالجريمة وانها لم تكن تقصد القتل ووضح من البيان والاخطاء الواردة في الايات القرآنية ان ورائه ناس متخصصة وليس مجرد مجموعة من الشباب المنتمي الي تيارات اسلامية.. وكان الهدف واضح هو تلويث الاسلاميين واسقاط الرئيس.
ومن اول يوم ايضا وقف العشرات ثم المئات أمام القصر الجمهورية مطالبين الرئيس بالخروج من القصر وحل مشاكلهم بنفسه وفي نفس اليوم.. واعتقد انه حتي لو فعل ذلك سوف يستمرون في الوقوف أمام القصر وتسلق جدرانه وبواباته حتي تستمر نفس الصورة السلبية المراد ترسيخها عنه وعن الوضع العام في مصر.. ورغم مبادرة الرئيس بانشاء ديوان المظالم كآلية حقيقية لاحتواء مشاكل المواطنين.. لكن الاصرار الشديد علي وجود مظاهرات فئوية امام بوابات القصر الجمهوري رغبة لجهات تريد استمرار هذا الوضع.. لدرجة ان بعض افرادها ومسئوليها شارك علنية في الوقفات أمام القصر.. فهل يعقل ان يتجمع العشرات من المتظاهرين أمام القصر الجمهوري ويطالبون بإسقاط الرئيس ويتهمونه بأنه جاءبالتزوير والإرهاب، كما يتهمونه بأنه فاقد الشرعية مؤكدين استمرارهم في الاعتصام حتي يتم خلع الرئيس مرسي من القصر الجمهوري.. وكل هذا ولم يمض الا عدة ايام فقط علي تولي الرجل المسئولية فأين المصداقية في النقد وأين المصداقية في اتاحة الفرصة..
وفي مكان اخر وأمام المنصة ينظم اخرين مليونية يقولون ان الهدف منها هو إسقاط مرسي.. ويتزعم هذه المليونية عدد من الشخصيات الاعلامية والبرلمانية المعروف انتمائها للنظام القديم في اصرار واضح علي عدم التأقلم مع مصر فيما بعد 25 يناير.. وهم في تحالفات واتفاقيات دائمة مع من يشبههم في الاحزاب والتكتلات السياسية.
الدكتور محمد البلتاجي القيادي الاخواني اشار الي هذا الفريق صراحة وقال " هناك مؤامرة واضحة ضد الرئيس محمد مرسي.. تمهيدًا وتخطيطًا للإفشال السريع لوجوده في المسئولية.. ولكن الشعب ليس بالسذاجة ان يفترض ان ما يتعرض له الرئيس من تطاول واهانات وشائعات ومكائد.. يشارك فيها اعلام الفلول الحكومي والخاص.. هو مجرد حرية رأي وتعبير.. ولكنها مؤامرة واضحة واطرافها معروفون.. وهم الأجهزة والاطراف والأدوات التي نشرت المعارك الوهمية حول الدولة الدينية.. والازمات المختلفة.. وهي ايضا التي تقتل الآن باسم الدين هنا وهناك.. كما كان يحدث في الماضي من تفجيرات وعمليات القتل والشائعات.
وهناك من يتحدث عن سيناريو اكثر تخطيطا.. ويؤكد ان جهات سيادية وامنية فرضت كماشة علي الرئيس مرسي بهدف اسقاطه خلال ستة اشهر علي اكثر تقدير.. واعادة الحكم علي نفس الصورة التي كانوا يتمنوها بدون مرسي.. ومفردات هذه الخطة تبدأ بالتعليمات للاتباع بضرورة اهانة الرئيس عبر كل وسائل الاتصال.. ومن ورائه جماعة الاخوان المسلمين ككل.. واصحاب هذا السيناريو يؤكدون ان جهة امنية تتزعم هذا التيار وتقود الثورة المضادة بكل قوة لتحقيق اهدافها.. لكن الغريب ان معظم المتابعين يرصدون كل هذه المحاولات بل هناك من تعاطف مع الرجل وتحول من معارض او مشاهد الي داعم ومساند.. وهناك ايضا من لم يرتضوا باهانة رمز الدولة.. فوجهوا رسالة الي مرسي قالوا فيها: إن بقاء هذا الوضع الراهن غير مقبول.. لان الشعب انتخبكم ليس لتتعرضوا للإهانات اليومية المتكررة من قبل كل "من هب ودب"، وليس لكي تستمر تلك الفوضي وعمليات الإجرام والبلطجة وانتهاك القانون والدستور في مختلف أرجاء مصر.. إنما انتخبكم لتتولوا المسئولية وتلبوا طموحاته وتتخذوا من القرارات الثورية ما يدخل ثعابين مبارك إلي جحورها.. ويجعل الوطن اكثر امناً واستقراراً.. إن الشعب ينتظر منكم الحسم وفي اقرب فرصة ممكنة قبيل فوات الأوان..
إذن مثلما ان هناك معارضون بشدة تصل الي حد العداوة للرئيس مرسي فإن هناك من يقف بنفس الحماس علي الجانب الآخر وغير راض عما يجري حول الرئيس ومعه.. وبالتالي نحن إذن نمتلك الآن مقومات شبة حرب اهلية لو تأزمت الامور اكثر واكثر وبدأ صراع حقيقي في الشارع علي خلفية اننا لا نريد قبول الآخر حتي ولو جاء بالديمقراطية.
ومن مرسي مطروح طار خبر يؤكد ان عدد من قوات الامن انسحبت من امام المباني والمنشآت الحيوية أثناء الاحتفال بنجاح الدكتور مرسي.. وعندما لاحظ الاهالي ذلك نظموا لجان شعبية لحماية الكنائس والمنشآت المهمة.
والغريب ان الخمس ازمات التي وعد بها مرسي تشعر انها تزداد حده منذ مجيء الرجل.. رغم ان المنافسين له في الانتخابات اكدوا ان هذه الازمات سوف تنتهي في ساعات معدودة.. وكأنهم يعلمون يقينا مفاتيح الحلول.. واعتقد انه لا يوجد عاقل ينتظر ان ينزل الرئيس الي الشوارع لحل مشاكل المرور او الزبالة او السولار والبنزين.. ولكن هناك اجهزة وجهات ووزارات مسئولة عن ذلك ومهمتها توفير هذه الخدمات بالطريقة التي تتناسب واحتياجات الناس.. والواضح ان هناك تقصير متعمد في احيان كثيرة للابقاء علي الازمات المتواجدة في الشارع.. وكان ذلك منذ بداية الثورة وحتي الآن.. في الاول كان الهدف ضرب الثورة في مقتل وتصدير مشاعر الخوف والكره لها من قبل الملايين الذين لا يهتمون الا بلقمة العيش فقط.. وبما ان الحياة اصبحت اصعب بعد الثورة فإن التحرير وسكانه هم سبب المشاكل والازمات كلها..
والآن يستخدموا نفس الاسلحة لضرب استقرار مصر ودفعها للفوضي لا لشئ الا لاسقاط رئيس لا يرضون عنه وطمعا في استعادة العز الذي كان..
المهم ان الازمات واضح تماما انها من فعل فاعل وعن قصد وعمد.. لاننا منذ شهور نشهد ازمة البنزين والسولار علي سبيل المثال.. ومع ان الجميع يحصل علي ما يكفيه منهما رغم الصعوبة الشديدة في ذلك الا ان احد لم يشتك انه لم يحصل علي اي شيء.. وهو ما يثبت ان الازمة مفتعله والكميات متوفرة ولكنها تخرج دائما متأخرة وفي ظل تهافت شعبي عليها.. كما ان هذه الازمات لم تحدث من قبل بهذه الطريقة مهما كانت الظروف.. كما ان الاعلان المستمر عن ضبط كميات هائلة كانت في طريقها الي خارج مصر او كي يستخدمها من لا يستحقها لا يخدم الجهات المسئولة بل يؤكد إدانتها.. لان معني التهريب بهذه الكميات الضخمة ان هناك من الكبار الذين يقفون وراء هذه الظاهرة.
ايضا اعمال البلطجة والانفلات الامني زادت بشكل ملحوظ في اكثر من مكان وبطريقة ايضا تحرج الرئيس وتضغط عليه وتؤكد انه يفقد السيطرة علي الدولة وانه ليس أهلا لها.
ليس هذا فحسب بل ان عمليات السرقة بالاكراه والنهب والسلب عيني عينك انتشرت في كل مكان في مصر كي ترسم نفس الصورة عن الحالة السيئة في ظل الرئيس الاخواني الذي ما كان يجب ان يجلس علي عرش مصر.. هكذا يرددون.. ووصلت جهودهم الي مطالبة بعض مسئولي الحكومة وموظفي الدولة عدم اطاعة الأوامر وعدم المساهمة في تحقيق برنامج الرئيس في اي مكان.. ولا ادل علي ذلك من ان يعلن محافظ الاسكندرية استقالته من منصبه اكثر من مرة لان الاجهزة في المحافظة لا تريد التعاون معه في تنفيذ خطة الرئيس وخدمة الاهداف العامه للدولة..
كل هذا الرفض والتخطيط لاسقاط محمد مرسي لايمكن ان يصب في صالح مصر لان نجاح محمد مرسي هو نجاح لمصر واقتصادها ومستقبلها السياسي.. ولايمكن ان يكون سقوطة في الصالح العام.. علي من يريد اسقاطه ليس أمامه إلا طريق واحد فقط هو صناديق الانتخابات بعد اربع سنوات او اكثر او اقل.. المهم ان من مصلحة الجميع ان يحقق مرسي ما وعد به او علي الاقل النسبة الاكبر منه في الوقت الذي حدده.. وساعتها سوف يبادر الناس بمنحه فترة اخري واخري كي تستقر مصر وتسير في طريقها الديمقراطي الجديد.. ولكن اصحاب المصالح الخاصة لا يهمهم مصر ولا مستقبلها ولا حياة الناس الغلابة.. فقط يريدون الكرسي وعودة السلطة اليهم كما كانت..
الخطير في الأمر ان ييأس او يعجز مرسي عن تحقيق اهداف بفعل كل ما سبق ويقف عاجز أمام احتياجات المواطن البسيط وبالتالي فإن الصراع سيكون علي اشده ليس في الصحف علي شاشات التليفزيون ولكن ايضا في الشارع وفي كل مكان..
ربما يكون كل ما ذكرته يصب في خانة الدفاع عن محمد مرسي ولكنني اراه في مصلحة مصر ومستقبلها.. خاصة وان الرجل قبل ان يفعل اي شئ بدأ التقطيع في اوصاله وكأنه يحكم من عشرات السنين.. انا اريده ان يعمل وينفذ ما لديه من مشاريع ووعود وبعدها احاسبه علي كل شيء واستطيع عزله بالصندوق والمجئ بآخر وهكذا.. والأهم ان يفكر كل مواطن بأنه مشارك في نجاح مصر خلال الفترة الحالية فلا الرئيس ولا الإخوان ولا المجلس العسكري قادر علي تحقيق الوعود الخمسة بدون رغبة شعبية حقيقية في عبور هذه الفترة الحرجة مع الرمز الموجود حاليا حتي ولو كان مرفوضا من البعض..
الخوف ان يتحول الرئيس الي المواجهة ويتفرغ لضرب وصد محاولات هؤلاء وتضيع معه الاحلام والطموحات.. واذا كان الرئيس التونسي الدكتور المرزوقي عندما اختلف مع حزب النهضة التي يحكم تونس الآن.. قام بالاضراب عن العمل ورفض توقع الوثائق وإبرام الاتفاقيات واصدار القرارات بسبب الانتقاص من صلاحياته وعدم استشارته في القرارات الحكومية المهمة.. كأول حادثة اضراب رئيس في العالم.. وبعدها استجابوا لطلباته بالطبع.. فهل نعاود الكرة مرة اخري ومثلما ثرنا بعد تونس وعلي هداها.. يقوم الرئيس مرسي بالاضراب عن العمل وربما عن الطعام والاعتصام في القصر والميدان من اجل ليس فقط البحث عن صلاحيات.. ولكن من اجل ان نتركه يعمل في هدوء وبعدها يأتي الحساب.. وكلمة أخيرة نجاح محمد مرسي لن يحسب له وحده ولكن مصر في حاجة الي هذا النجاح بالفعل حتي تسير في طريقها الصحيح حتي ولوكنا من كارهي الرئيس ولا نطيقه.